المحايد/ ملفات
يشهد العراق خلال السنوات الأخيرة، تزايد حالات إدمان وتعاطي مادة الكريستال والتجارة فيها بعدد كبير من المناطق، ما رفع من وتيرة الجرائم الجنائية في البلاد.
ظاهرة تجارة وتعاطي المخدرات تعد واحدة من أكثر القضايا الحساسة والشائكة في العراق، وذلك بسبب وجود مافيات الفساد التابعة للأحزاب السياسية والقوات الأمنية والمليشيات المسلحة التي تتمتع بنفوذ قوي.
أحد المسؤولين الأمنيين قال لموقع "المحايد"، إن "تجارة المخدرات وتعاطيها أصبحت واحدة من أكبر القضايا الشائكة التي تنامى حجمها، ويصعب السيطرة عليها في ظل تراخي السلطات عن مروجي المخدرات وكبار التجار الذين حولوا العراق إلى محطة ترانزيت لتجارة وتهريب المخدرات".
ويضيف المسؤول الذي رفض الإفصاح عن اسمه، ان "الاعداد الموقوفة في السجون العراقية بتهمة تجارة المخدرات تتجاوز 10 آلاف موقوف،
ومعظم تجار المخدرات تتجنب القوات الأمنية التعرض لهم خوفاً من ملاحقتهم واستهداف ذويهم".
ويشير المسؤول الى إن "الانتشار المخيف لتجارة المخدرات في العراق لا يمكن السكوت عنه أكثر من ذلك، حيث بات يشكل خطراً لا يقل عن خطر تنظيم داعش"، لافتاً إلى أن "أغلب تجار المخدرات شكلوا عصابات مسلحة لتوفير الحماية لهم، كما أن معظمهم يمتلكون باجات تعريفية تابعة لأماكن حساسة في الدولة لتسهيل عملية تحركاتهم من مكان لآخر".
وتلفت تقارير رسمية إلى أن منفذ الشلامجة وميناء أم قصر الحدوديين بين العراق وإيران في محافظة البصرة يعدّان أبرز منافذ تهريب المخدرات في البلاد.
ولم تتوقف الاتهامات سواء من سياسيين بارزين أو صحفيين لمليشيات مسلحة بالوقوف خلف عمليات تهريب وتجارة المخدرات في العراق، بل تعدى الأمر نحو فرض عقوبات من قبل الخزانة الأمريكية على إيران، بعد ظهور تسريبات ووثائق تؤكد تورط مليشيات عراقية مدعومة إيرانياً في تهريب المخدرات داخل العراق، وتحويل الأموال إلى مصارف تجارية إيرانية.
وبحسب تقرير نشره المجلس الأطلسي في فبراير/شباط، فإن نحو 60 في المئة من سكان العراق تقل أعمارهم عن 25 سنة، في حين تقدر نسبة البطالة بين الشباب في العراق بـ 36 في المئة.
ويقول مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إنّ هذا النوع من المخدر، أصبح المخدر الرئيسي المثير للقلق في البلاد، وحذر في تقرير فبراير/شباط من أنه بينما تم تهريبه مرة واحدة فقط من إيران المجاورة، يتم الآن تصنيع المخدر سراً في معامل داخل العراق.
وقالت رئيسة البحوث في وكالة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، أنجيلا مي، إن استخدام وانتشار المخدرات بدأ يظهر في العراق قبل سبع سنوات.
وأضافت مي أنه خلال ذلك الوقت، قامت العصابات بالإتجار في المخدرات مع دخول كميات كبيرة من مخدر "كريستال ميث" من إيران، حيث توجد العديد من المختبرات المصنعة لهذا المخدر.
وشهد ميناء أم قصر تسريب معلومات استخباراتية خطيرة حصلت عليها قيادة العمليات الخاصة حول عمليات التهريب للمخدرات إلى داخل البلاد، حيث تحدث حسين التميمي، وهو ضابط برتبة عميد في قيادة العمليات الخاصة، قائلاً: "بعد تعقبنا لشهرين لمهربين إيرانيين كانوا يتعاونون مع عناصر أمنية ينتمون إلى فصائل مسلحة عراقية، استطعنا ضبط كميات كبيرة من الحبوب المخدرة والتي يعود مصدر نشأتها إلى إيران، وقد دخلت العراق عن طريق سفن كبيرة لنقل البضائع، برفقة جنرالات تابعين للحرس الثوري الإيراني يرتدون زياً مدنياً، ويبرزون هوياتهم كلما عبروا نقاط التفتيش العراقية".
وأضاف التميمي: "يدخل العراق سنوياً أكثر من 30 مليون حبة من المخدرات، وآخرها تلك الشحنات العملاقة التي كانت مخزونة في حقائب مدرسية تم حشوها بحبوب مخدرة من نوع (الكبتاغون) في منفذ الشلامجة وميناء أم قصر، وبحسب التقديرات يصل سعرها إلى 500 مليون دينار عراقي أي ما يقارب 60 مليون دولار".
ويؤكد مراقبون أن أبرز أسباب تفاقم آفة المخدرات وعدم القدرة على إنهائها أو الحد منها هو أنها تحظى بدعم أحزاب ومليشيات ومافيات تحصل منها على أموال طائلة، في ظل عجز المؤسسات الحكومية عن إنفاذ القانون ووضع حدٍّ لمافيات المخدرات.
ولم يعد العراق ممراً رئيسياً للمخدرات العابرة من الحدود الشرقية مع إيران فحسب، بل بات سوقاً رائجة لمختلف أنواعها المستثمرة في أغلب مناطق الجنوب ومحافظات الفرات الأوسط، فالمليشيات التي تمول مشاريع التسليح تحاول تهريب المخدرات عبر المنافذ الحدودية بين العراق وإيران في ظل عجز القوات الأمنية الحكومية عن مواجهتها.
وأصبحت تجارة وتعاطي المخدرات في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 مشكلة تؤرق الحكومة العراقية لما لها ما تأثيرات سلبية على المجتمع، في وقت تعلن فيه السلطات بشكل شبه يومي توقيف تجار مخدرات على الحدود العراقية الإيرانية المصدر الرئيسي لهذه المواد المحظورة.