المحايد/ ملفات
مع مطالبة حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لأنقرة بالتراجع عن شنّ الهجمات في الشريط الحدودي المحاذي لإقليم كردستان العراقي، تتغلغل الماكينة العسكرية التركية لتصل إلى حد الطغيان على الأراضي العراقية، كما يقول مراقبون.
وغالباً ما تتصاعد حدة الانتهاكات التركية مع أي رفض عراقي سواء على مستوى الخطاب الحكومي أو الرسمي، لتواصل سلسلة خروقاتها وانتهاك المواثيق الدولية التي تنظم سياسات حسن الجوار.
وما زالت القوات التركية تطلقعمليات عسكرية متلاحقة داخل عمق الأراضي العراقية يتجاوز أحياناً الـ100 كليو متر، بذريعة مطاردة حزب العمال الكردستاني المعارض لنظام أردوغان.
وفي ظل دعوات قادة العراق بضرورة التزام أنقرة عند حدود الخرائط وعدم التعدي على أراضي العراق، بات القصف والاجتياح العسكري التركي للقرى الحدودية أمراً معتاداً وشبه يومي.
وأبلغت مصادر من إقليم كردستان "المحايد"، أن "العمليات التركية أدت إلى سقوط العشرات من الضحايا الأبرياء وتدمير أكثر من 20 قرية، فضلاً عن حركة نزوح لسكان المناطق الحدودية الواقعة تحت مرمى النيران التركية".
وأعلنت السلطات التركية فرض حظر التجوال في عدد من المناطق العراقية، إضافة إلى تجريف الأشجار الذي حدث في شمال العراق، الأمر الذي وصفه رئيس الجمهورية برهم صالح بـ "الإرهاب"، داعياً حكومتي بغداد وأربيل إلى وجود حل لاتلك الاعتداءات.
وسبق ذلك الأمر، قصف جوي تركي استهدف مخيم "مخمور"، الذي يضم نازحين من القومية الكردية، وبعد أقل من أسبوع تجدد القصف مرة أخرى تحت ذريعة تواجد عناصر حزب العمال في المكان.
ولم تسفر العمليات التركية والاعتداءات عن سقوط ضحايا من المدنيين فقط، بل أدت إلى خسائر مادية للعراق تصل إلى ٦ مليارات دولار جراء العمليات العسكرية والقصف الجوي المتكرر الذي طال القرى الكردية وتجريف الأراضي الزراعية تحت ذريعة مطاردة مسلحي حزب العمال الكردستاني.
ورأى بعض المحللين السياسيين، أن "موقف حكومتي بغداد وأربيل ضعيف تجاه الاعتداءات المتكررة على أراضي العراق، من قبل تركيا، وتجاه تواجد حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من أراضي العراق منطلقاً للهجمات على تركيا".
وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، قد قال خلال زيارته إلى تركيا، إن "العراق يرفض استخدام أراضيه كمنطلق للهجمات ضد دول الجوار، وبحثنا مع أردوغان إمكانية تطوير التعاون بين البلدين".
إلا أن بعض المحللين قالوا لـ "المحايد"، إن "تركيا تحاول استغلال إنشغال بغداد في محاربة الإرهاب وداعش وكبح جماح المليشيات المسلحة، لتنفذ ما تريده من تحقيق مآرب أخرى، كالسيطرة الدائمة على بعض المواقع في العراق، خصوصاً بعد ما صرح أردوغان سابقاً، بأن الموصل كانت سابقاً تركية".
وعن هذا الأمر، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي، ماجد السوراني، إن "أنقرة تتذرع باتفاقيات بالية مع نظام صدام حسين قد أبرمتها في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وتضيف لها بنوداً وفقرات غير مدرجة على تلك الورقة".
ويتابع السوراني، أن : "أغلب المتتبعين للشأن السياسي الإقليمي وبخاصة العراقي، يدرك أن تلك الاتفاقية جاءت تحت ظروف معينة وقد انتهى العمل بها قانوناً وعرفاً وسياقاً، إلا أن تركيا ما تزال تشهر تلك الورقة لإضفاء الشرعية على انتهاكاتها الصارخة بحق الدولة الجارة".
أما الخبير الأمني حازم شوكة، فوصف العدوان التركي بشمال البلاد بأنه "نتيجة حتمية لحكومات مستسلمة لا تملك سوى الإدانة والشجب"، لافتاً إلى أن "البيئة السياسية العراقية وتشظي القرار الوطني في بغداد شجع أنقرة على التوغل والانتهاك دون أي محاذير أو خشية من حكام بغداد".
وأكدت مصادر أخرى، أن "الفصائل المسلحة لم توجه سلاحها وقذائفها الصاروخية تجاه تركيا، لأنها لم تهدد المصالح الإيرانية في الأراضي العراقية، إلا أنها مستمرة بإطلاق الصواريخ في بغداد على مواقع تتواجد بها قوات عراقية وأمريكية وفق اتفاقيات رسمية".
ورغم تصريح رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية، محمد آل حيدر.حين قال، إن "التواجد التركي في الأراضي العراقية نعتبره احتلالاً، ومن الواجب معاملته كما تُعامل القوات المحتل"، إلا أن الفصائل المسلحة التي تدّعي محاربتها لقوات الاحتلال، لم تنفذ أي عملية ضد القوات التركية في العراق، حسب المراقبين العسكريين.
ويضيف الخبير شوكة، أنه "كلما مضى الوقت قلت فرص بغداد في حفظ سيادتها من خروقات أنقرة"، مبيناً أن "تركيا تملك داخل عمق الأراضي العراقية نحو15 قاعدة عسكرية مجهزة بأسلحة وعتاد متطور تكفي لاجتياز مدن كبيرة وليس المناورة على مستوى مناطق حدودية".
وليس هذا فحسب، بل أن وزير الدفاع التركي أكار خلوصي، أجرى زيارة "غير شرعية" الى العراق في أيار الماضي، تفقد من خلالها إحدى ثكنات بلاده العسكرية في شمال العراق، وبعد يوم من ذلك أعلن جهاراً أن أنقرة تسعى لإقامة ثلاث قواعد أخرى.
وجاء ذلك التحرك بعد نحو 10 أيام من إطلاق تركيا عملية عسكرية جاءت تحت عنوان "البرق"، وهي الرابعة من نوعها خلال عام.
وأشار تقرير لتلفزيون العراقية الى أن "أكثر من 300 عائلة كردية عراقية نزحت من قراها في قضاء العمادية المحاذي للحدود العراقية التركية أقصى شمالي العراق إلى مدينة زاخو بعد تصاعد العمليات العسكرية التركية والقصف العنيف".
وأوضح أن "القوات التركية قامت خلال عملياتها العسكرية بتجريف 20 كيلومترا من الأراضي الزراعية والبساتين في القرى الكردية في قضاء العمادية وسط استمرار حالات النزوح بحثا عن ملاذات آمنة".
ويستخدم حزب العمال الكردستاني الذي أدرجته تركيا ودول أخرى على قائمة المنظمات الإرهابية منذ عقود، الجبال الشمالية في العراق نقطة انطلاق لعملياته في إطار التمرد المستمر منذ عقود ضد الدولة التركية وجيشها.
ولفت بعض المحللين إلى أن "تواجد العمال الكردستاني بقواته العسكرية في شمال العراق، يعد احتلالاً أيضاً، ويعطي ذريعة لتركيا بمهاجمته في الأراضي العراقية، والحكومة أيضاً لم تتخذ موقفاً جديّاً إزاء تواجدهم داخل أراضي البلاد".
وفي شباط الماضي، شنت تركيا عملية أطلق عليها اسم "مخلب النسر-2" ضد عناصر حزب العمال الكردستاني المتحصنين في منطقة دهوك شمالي العراق.
وأثارت تلك الغارة الجدل لأنها كانت تهدف جزئيا إلى إنقاذ 13 جنديا تركيا وعراقي احتجزهم حزب العمال الكردستاني في كهف، لتتهم تركيا حزب العمال الكردستاني بإعدام الرجال الثلاثة عشر قبل أن يتمكن الجيش من تحريرهم، ولكن إردوغان تعرض لانتقادات لاذعة من جانب أحزاب المعارضة في البرلمان لسوء التخطيط للهجوم.