المحايد/ ملفات
ما زال العراقيون يفتقرون إلى الكهرباء التي وصلت كثير من الدول للاكتفاء الذاتي منها، وبدأت بتصديرها إلى دول أخرى، إلا أن العراق ورغم نفطه، إلا أنه لم يستغله طيلة السنوات السابقة لتوفير الطاقة الكهربائية إلى المواطنين، من خلال حرق الغاز الذي يذهب مع الرياح دون استغلاله، مثل ما فعلت بعض الدول.
وبقيَ العراق تحت رحمة الغاز الإيراني، وإذا توفّر فإن الكهرباء تتوفر ولو بشكل قليل للمواطنين إلا أن السلطات الإيرانية قلّصت مؤخراً تصدير الغاز للعراق بسبب الديون على الأخير، الذي حاول معالجتها وتسديد الديون إلا أن العقوبات الأمريكية على إيران تمنع وصول الأموال إلى السلطات الإيرانية.
وما زالت مشكلة الكهرباء، هي المحرّك الأكبر للاحتجاجات في العراق، الذي يعاني في فصل الصيف من درجات حرارة مرتفعة إلا أن الكهرباء لا تلبي حاجات المواطنين، وسط تحجج وزراء الكهرباء المتعاقبين، بأن المواطنين لا يعرفون كيف يستخدمون الطاقة ويبذرون بها.
وكان التحقيق الذي أعدته لجنة برئاسة نائب رئيس البرلمان، حسن الكعبي، قد أكد أن الحكومات المتعاقبة بين 2005 و2019 صرفت على قطاع الكهرباء 80 مليار دولار، من دون أن تلامس ولو من بعيد الحاجة الاستهلاكية للبلاد، ورغم هذا التحقيق إلا أن بعض الجهات تحاول استخدامها كورقة سياسية للضغط على الحكومة، وعلى المواطنين من خلال إطلاق وعود "وهمية" بمعالجتها، حسب ما يرى بعض المراقبين.
وتعرّضَ قطاع الكهرباء الحكومي إلى أضرار بالغة خلال حرب إخراج العراق من الكويت العام 1991، حيث دمر طيران الولايات المتحدة وحلفائها محطات التوليد الكبرى وشبكات النقل الرئيسية ومراكز التوزيع الفرعية، مغرقا البلاد في ظلام تام دام لشهور، وينتج العراق حالياً 19 ألف ميجاوات من الطاقة الكهربائية، بينما الاحتياج الفعلي يتجاوز 30 ألفا، وفق مسؤولين في القطاع.
وبعد هذه المشاكل، يسعى العراق المتعطش للكهرباء بحكومته الحالية إلى إضافة الطاقة النووية في مزيج إنتاج الطاقة النظيفة والتي تسير ببطء شديد، بهدف تغطية العجز الكبير في توفير الكهرباء، لكن محللين يرون أن الخطة الطموحة قد تواجه عقبات خاصة في ما يتعلق بإقناع المستثمرين بضخ أموال في المشروع.
ومؤخراً، نسبت وكالة بلومبرغ الأميركية للأنباء الاقتصادية إلى كمال حسين لطيف رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة قوله إنه “لمواجهة التحدي، فالبلاد تخطط لبناء ثمانية مفاعلات ذرية قادرة على إنتاج حوالي 11 غيغاواط"، مؤكداً أن "الحكومة أجرت محادثات مع المسؤولين الروس والكوريين الجنوبيين وشركات الطاقة النووية الحكومية بشأن العمل معًا لبناء المحطات خلال العقد المقبل. كما أن الهيئة تحدثت أيضا مع مسؤولين فرنسيين وأميركيين بشأن الخطة".
وتابع لطيف قائلاً: "نهدف من المفاعلات النووية إلى إنتاج حوالي 11 غيغاوات، ولدينا عدة تنبؤات تظهر أنه بدون الطاقة النووية سنواجه مشكلة كبيرة بحلول عام 2030"، لتختار الهيئة النووية العراقية 20 موقعا محتملا للمفاعلات، الذي يتوقع لطيف أن يتم توقيع العقود الأولى من المشروع في العام المقبل.
وكانت الإمارات، المنتج الثالث في منظمة أوبك، قد قامت بتوصيل أول مفاعل لها بالشبكة هذا العام وتخطط لتشغيل ثلاثة مفاعلات أخرى. كما تسعى السعودية، أكبر منتج في أوبك، إلى هذه التكنولوجيا وتقوم ببناء مفاعل اختبار، ومع خطط هاتين الدولتين، أطلقت الحكومة الحالية مشروع ربط الكهرباء معهما، من أجل تأمين الطاقة الكهربائية.
وأشارت مصادر سياسية مقرّبة من الحكومة إلى أن "مسؤولين كوريين جنوبيين، قالوا إنهم يريدون المساعدة في بناء المحطات وعرضوا على العراقيين جولة في مفاعلات شركة كوريا للطاقة الكهربائية في الإمارات العربية المتحدة"، لكن محللين رأوا أن العراق "حتى لو قام ببناء العدد المخطط له من محطات الطاقة النووية، فلن يكون ذلك كافياً لتغطية الاستهلاك المستقبلي".
وما زال العراقيون ينتقدون وزارة النفط والكهرباء، لأنهما لا تنسقان جهودهما باستغلال عملية إحراق الغاز، خصوصاً وأن العراق احتل عام 2020، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، المركز الثاني عالميا للسنة الرابعة على التوالي بين أعلى الدول إحراقا للغاز الطبيعي.
وبحسب تقديرات حكومية، فيمتلك العراق مخزونا من الغاز يصل إلى 132 تريليون قدم مكعب قياسية ، إلا أن أكثر من نصف ذلك الخزين يبدد بعمليات احتراق دون الاستفادة منه.
وإحراق الغاز دون استغلال، مشكلة تواجه الحكومات العراقية المتعاقبة، بسبب عدم وجود الإمكانات اللازمة لاستثمار المنتج منه خلال عمليات استخراج النفط، وتشير تقديرات حكومية في 2020، أن العراق يمتلك 132 تريليون قدم مكعب قياسي مخزونا من الغاز، إلا أن 700 مليون قدم مكعب قياسي منه، كان يحترق يوميا نتيجة عدم الاستثمار الأمثل طوال العقود الماضية.
وتتضاعف في فصل الصيف مشاكل الكهرباء في العراق، من دون علاجات حقيقية تضع حداً لأزمة مستعصية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، في ظل اتهامات سياسية بين الكتل بالفساد وغياب النزاهة والشفافية عن هذا الملف، لتشهد أغلب مناطق العاصمة بغداد، خلال الأيام الماضية، نقصاً ملحوظاً بعدد ساعات الكهرباء ما ولّد امتعاضاً لدى سكان العاصمة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
وأثار انقطاع الكهرباء المتزايد خلال السنوات الماضية، خاصة في الصيف، إلى تصاعد الغضب الشعبي واندلاع الكثير من المظاهرات التي اتسعت فيها المطالب ووصلت إلى إسقاط الحكومة، وهو ما دعا السلطات إلى الإعلان عن عدد من المشاريع في هذا القطاع.
واقترحت جنرال إليكتريك، في وقت سابق، أن يستخدم العراق توربينات غازية عملاقة من طراز "أتش أيه" تقوم هي بصناعتها، مضيفة أن صيانة محطات الكهرباء في العراق يمكن أن يوفر أكثر من ثمانية آلاف ميغاواط يوميا، تضاف إلى 14 ألف ميغاواط من طاقته الإنتاجية الحالية.
يعني هذا أنه بعد صيانة المحطات الكهربائية سيرتفع إنتاج الكهرباء في العراق إلى ما يصل إلى 22 غيغاواط بحلول أغسطس المقبل، إذا ما تم، لكن هذا أقل بكثير من الطلب الافتراضي الذي يبلغ 28 غيغاواط تقريبا في ظل الظروف العادية.