المحايد/ ملفات
لم يتبقَ على الانتخابات النيابية المقبلة سوى 3 أشهر، حين تجرى في العاشر من تشرين الأول المقبل، ولكن البلاد قد تشهد عودة الاحتجاجات بشكل أوسع، خصوصاً بعد انطلاق تظاهرات في منطقة النهروان جنوبي بغداد، ونصب والدة الشهيد إيهاب الوزني خيمتها أمام دار القضاء في محافظة كربلاء.
مواطنون في النهروان نصبوا خيام اعتصامهم مغلقين الطريق السريع المار في المنطقة، الذي يربط بغداد بمناطق جنوبية، وقالوا إن نصب الخيام جاء بسبب استمرار شحّة المياه في المنطقة، حيث ينعدم الماء الصالح للشرب، ولا يأتيهم سوى مرتين في الشهر، حسب ما ظهر بعض المتظاهرين في مقاطع مصورة.
وفي الجانب الآخر، تعرّضت والدة الشهيد الوزني في محافظة كربلاء إلى محاولة اعتداء، من قبل عناصر يغطون وجوههم باللثام، ويظهر زيّهم أنهم عناصر قوات حفظ القانون التي تشكّلت في زمن رئيس مجلس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، وحاولوا إزالة خيمة والدة الشهيد التي نصبتها للضغط على القضاء من أجل الكشف عن قتلة ابنها.
ويبدو أن هذين الأمرين سيحدثان موجة احتجاجات شعبيّة، حسب ما يرى مراقبون، حين قالوا، إن "جماهير تظاهرات تشرين ما زالوا لديهم النفس في التظاهر، وهم لا يتحملون أن يروا والدة الشهيد تتعرض لضغوط إزالة خيّمتها، مع الاعتداء على الأشخاص الذين كانوا مرافقين لها، ويبدو أنهم من أسرة الشهيد الوزني".
وأشار مصدر أمني في محافظة كربلاء إلى أن "عناصر من القوات الأمنية تحاول منذ يوم أمس إزالة خيمة أم إيهاب، بعد تجمع عدد من ذوي الشهداء قرب خيمتها رافعين صور شهدائهم، ومطالبين القضاء بسرعة الكشف عن القتلة، خصوصاً بعد ما توعدت إدارة محافظة كربلاء بالكشف عن القاتلين وتسليمهم للجهات المختصة".
ومن كربلاء إلى بغداد، وتحديداً مناطق أطراف العاصمة في الجنوب الشرقي، التي تعاني من الإهمال الحكومي المتعمد منذ عقود، على مستوى الخدمات والبنى التحتية، ويعيش أهاليها تحت خط الفقر ويفتقرون إلى أبسط الخدمات.
ومنطقة النهروان تحديداً، ما زالت تعاني من نقص حاد في المياه، فيقول أحد أبنائها لـ "المحايد"، إن "منطقتنا لا يصل إليها الماء الصالح للشرب سوى مرتين في الشهر، ونحن نعتمد على المياه التي يبيعها أصحاب معامل تصفية المياه، لأن الماء الذي يصل إلينا لا يصلح للشرب ولا حتى للغسل، فنضطر أن ننتظر موعد قدومه مرتين في الشهر، من أجل ملء خزاناتنا".
وليس حديثاً تعاني النهروان من مشكلة المياه، بل أنها تعاني منذ القدم، ففي خلال عام 2012 – وفي ظلال ميزانيات المالية الانفجارية التي خصصتها الحكومات بحجة رفع واقع البنى التحتية واحياء الخدمات في مدن البلاد بعد الإهمال والنسيان- منحت وزارة البلديات والاشغال في ذلك العام، عقد استثمار لأحدى الشركات الأهلية لتنفيذ مشروع “ماء الحل الدائم” في ناحية النهروان.
وكان الأهالي في الناحية، اعتبروه "حبل نجاة" سينتشلهم من سنوات القحط والعطش التي منيت به تلك المناطق منذ عقود، لأنه سيضمن طاقة ماء إنتاجية تبلغ (4000) م3 بالساعة ويخدم نحو 300 ألف نسمة من أهالي الناحية والمناطق المجاورة، لكن المشروع توقف بعد عام 2015 بسبب الأزمة المالية والحرب ضد داعش الإرهابي.
وعلى الرغم من انتهاء الحرب منذ ذلك العام، وعودة الحياة في العراق والنفط إلى وضعه الطبيعي، إلا أن مشروع “ماء الحل الدائم” في النهروان لم يلقَ اهتماماً من قبل الحكومات المتعاقبة، رغم أن رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، وجه بإتمام العمل في المشروع في 25 كانون الثاني الماضي، حسب ما قال النائب أحمد الأسدي.
وبعد الوعود تلك، وعقب دعوة الأسدي للكاظمي بمتابعة المشروع، أصدر الكاظمي توجيها بإتمام المشروع، إلا أنه باقٍ دون تنفيذ وبقيَ أهالي المنطقة من دون مياه، ليحمّل بعض الأهالي "الأسدي" لأنه كان قد تبنى مطالب أهالي المنطقة، وكان عليه متابعة الموضوع والضغط على وزارة البلديات والأشغال، على حد قولهم.
ووسط هذه المشاكل، يشير بعض المحللين السياسيين إلى أن "البلاد قد تشهد عودة للاحتجاجات وبشكل أوسع، خصوصاً وأن الحكومة لم تكشف عن الجهات المتورطة باغتيال وقتل المتظاهرين، وكذلك اغتيال الناشطين وبعض المساندين للاحتجاجات مثل الخبير الأمني، هشام الهاشمي".
وأوضحوا خلال حديثهم لـ "المحايد"، أن "العراقيين أصبحوا ناقمين على الطبقة السياسية الحاكمة، وقد لا ينتظرون إجراء الانتخابات لتغيير الوجوه، بسبب انتشار السلاح المنفلت بيد الفصائل المسلحة، وبعض الجهات التي لديها نفوذ سياسي، لتكون الانتخابات عرضة إلى التزوير والتهديدات".
وما زالت والدة الشهيد الوزني معتصمة رغم محاولات إنهاء اعتصامها، وما زال أهالي النهروان يتظاهرون ونصبوا خيام اعتصامهم، بسبب عدم توفر المياه في بلد لديه نهران عظيمان، دجلة والفرات، إلا أن سياسات الحكومات المتعاقبة، لم تؤدِ دوراً لاستغلال مياه الأنهار، لتضع بعض المناطق أمام خطر الموت من العطش، وأمام شحّة المياه المتواصلة.