المحايد/ ملفات
صحى العراقيون يوم أمس على أزمة جديدة في بلادهم التي لا تخلو من المشاكل اليومية، ومن الأزمات المتكررة، فتارةً يواجهون أزمة الدولار وتداعياتها، وأخرى أزمة الوقود في فصل الصيف الحار، فبعد ذهابهم إلى محطات الوقود من أجل ملء سياراتهم بـ "البنزين المحسّن"، فتفاجأوا بأن المحطات خالية من البنزين المحسّن، ليبدأ القلق يشغل بالهم.
أزمة الوقود أحدثت تفاعلاً كبيراً على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مختلف وسائل الإعلام، لتسارع وزارة النفط بنفي ما يُتداول من عدم وجود البنزين المحسّن، حين قالت إن "منافذ التجهيز تعمل بشكل مستمر وانسيابية عالية، وشركة المنتوجات النفطية أجرت المطابقات الدورية والفحوصات في بعض منافذ التجهيز خلال اليومين الماضيين، ما أدى إلى توقف التجهيز لبعض المحطات لبعض الوقت"، إلا أن أنباءً تسربت عن وجود نيّة لرفع سعر لتر البنزين المحسّن من 650 ديناراً إلى ما بين 850 و900 دينار.
لم تكن الأنباء التي تسربت حديثةً، فالحكومة العراقيّة صادقت على دعم لبنان بالنفط الخام وزيادة هذا الدعم من 500 ألف طن إلى مليون طن، وهذا الأمر تسبب بحدوث أزمة، فالعراق في ذمته ديون واجب عليه تسديدها، والتسديد سيكون على حساب العراقيين حين يُرفع سعر لتر البنزين، حسب ما يقول بعض المختصين الاقتصاديين.
المختصون أشاروا إلى أن "العراق يعاني من أزمة في الأموال وفي ذمته ديون وقروض، فكيف يمكن له أن يتبرّع بوقود وأموال إلى دولة أخرى، تعاني ما يعانيه العراق"، في وقت تشهد لبنان انهياراً اقتصادياً حادّاً منذ أواخر عام 2019، الذي شهد انفجاراً شعبياً ولّده الوضع الصعب، اقتصادياً ومعيشياً، وتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار بصورة تدريجية.
وتغص محطات البنزين في مختلف المناطق اللبنانية يومياً بالسيارات، حيث ينتظر الناس لساعات دورهم للحصول على مادتي البنزين والمازوت، حتى أن بعضهم سار على الأقدام وحمل "غالونات" بهدف تعبئتها، لتتحول الأزمة إلى العراق، حيث الفوضى في بعض محطات البنزين التي تخلو من المحسّن.
ووسط هذه الفوضى، خرج مدير عام المنتوجات النفطية، حسين طالب في تصريح صحفي قائلاً اليوم، إن "هناك توقفاً لساعات لغرض الفحص والمطابقة للبنزين وهو جميعه مستورد من الخارج اي عالي الاوكتان"، مبيناً أن "البنزين يفحص عند نقله من البواخر باتجاه محطات الوقود وهذا التوقف لساعات ولم يؤثر على وصول المنتج للمحطات، ولا يوجد تخوف على توفر البنزين المحسن كونه يأتي مستوردا وعملية وصوله تمر بانسيابية".
فيما أشار طالب في وقت سابق إلى إن "البنزين عالي الاوكتان مرتبط بأسعار النشرة العالمية والتخفيض الذي حصل قبل خمسة أشهر بسبب انخفاض أسعار النفط العالمي ومشتقاته"، مبينا أن "السعر الحالي للبنزين عالي الاوكتان يشكل خسارة على الدولة بواقع 250 دينارا عن كل لتر بنزين".
وشدد طالب آنذاك على ضرورة أن "تكون هناك ثقافة لدى المواطن بأن تخفيض الأسعار أو ارتفاعها يأتي ضمن توجه لتحرر السوق عالميا وبما أن المنتج مستورد فهو مرتبط بالنشرة العالمية"، موضحا أن "التخفيض الذي حصل جاء بناء على انخفاض الأسعار العالمية أما الان فالبنزين عالي الاوكتان هو خسارة، والبيع للمواطن بـ 650 دينار خسارة على موازنة الدولة"، وهو الأمر الذي يتخوّف منه المواطنون، حين يرتفع سعر لتر البنزين المحسن.
وأظهرت مقاطع مصوّرة يوم أمس، حدوث فوضى في بعض محطات تعبئة الوقود في العاصمة بغداد، لأنها تخلو من البنزين المحسّن، وسط قلق المواطنين بأن تكون أزمة البنزين من المصاعب الجديدة التي تضاف لحياتهم، خصوصاً بعد ما شاهدوا ملصقات ببعض المحطات تضمنت: "نعتذر منكم.. لا يوجد بنزين محسّن".
وقال مصدر اقتصادي مقرّب من وزارة النفط لـ "المحايد"، إن "بعض محطات وقود التعبئة، أغلقت أبوابها أمام المواطنين، وأخرى شهدت زخماً بسبب شح البنزين المحسّن"، مشيراً إلى أن "الغرض من عدم تزويد المحطات بمادة البنزين المحسن هو من أجل رفع أسعارها مجدداً، حيث كانت اللتر بـ 900 دينار".
ورغم توضيحها مؤخراً من قبل وزارة النفط، إلا أن المصدر أشار إلى أن "إيقاف تجهيز المحطات بالبنزين المحسّن تم من دون إشعار المحطات بالقرار، الأمر الذي قد يرفع سعر اللتر بعد ارتفاعها عالمياً".
ووسط السخط الشعبي الذي حدث جراء شحة مادة البنزين عالي الاوكتان في جميع المحطات، قال خبير اقتصادي رفض الكشف عن هويته، إن "الأزمة بدأت منذ فترة، خصوصاً مع ارتفاع أسعار صرف الدولار، لأنه يصعّب عملية الاستيراد في جميع النواحي، والبنزين المحسن إحدى المواد المستوردة".
وأوضح باحث اقتصادي آخر وهو نبيل جبار العلي، أن "أزمة البنزين المحسّن الأخيرة في العراق جاءت نتيجة نفاد الكميات الموردة سابقاً من البنزين عالي الاوكتان وتوقف عمليات استيراده لأسباب تجارية، تتعلق بارتفاع كلفة الاستيراد نتيجة ارتفاع اسعار النفط عالميا مقابل سعر البيع الثابت محليا والذي خُفض مؤخرا".
وأضاف العلي: "مع أسعار الصرف الحالية وبسعر ٦٥٠ ديناراً عراقياً لكل لتر، يصبح السعر ٤٤ سنتاً للمستهلك، وهذا لا يتناسب مع قيمة استيراد البنزين عالي الاوكتاين (المحسّن) بالأسواق العالمية، والذي يبلغ قيمته حسب أسعار اليوم (٦٣ سنتاً التي تعادل ٩٢٥ ديناراً عراقياً)، لذلك يكون السعر النهائي للبنزين الواصل للمستهلك بعد إضافة تكاليف النقل وأرباح محطات الوقود هي تقارب ١٠٠٠ دينار لكل لتر بالنسبة للبنزين عالي الاوكتان (بنزين ٩٨) وبقيمة تتراوح بين ٨٠٠ الى ٩٠٠ دينار للبنزين ٩٢ و٩٥ اوكتان على التوالي".