المحايد/ ملفات
"ابحث عن المستفيد"، هذا هو حال ابرز الدعوات المتطرفة التي تطلق في العراق منذ عام 2003 و إلى يومنا هذا، فمنذ تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وكل ما حاول أحد اذكاء الصراع الطائفي المقيت في البلاد، أخرج جماعاته لإطلاق دعوات متطرفة، لتطفو على وجه المشهد السياسي في العراق بين الحين والآخر، نتيجة الصراعات السياسية القائمة منذ سنوات.
ومن ابرز تلك الدعوات اليوم، هي التحريض على هدم مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان، الواقع في جامع "الإمام الأعظم" شمال العاصمة بغداد.
من هو الإمام أبو حنيفة؟
ولد أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن مرزبان الكوفي عام 699 ميلادية، ووفق التقويم الهجري عام 80.
يقول المتحدث باسم دار الإفتاء العراقية عامر البياتي، إن الإمام أبا حنيفة "فقيه وعالم مسلم وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي".
"واشتهر بعلمه الغزير وسعيه الدؤوب إلى طلب العلم، ولقي عددا من الصحابة أمثال أنس ابن مالك، وروي عنه الحديث، وعبدالله ابن مسعود. كما عرف عنه الورع والتقوى، معتمداً في فقه على ست مصادر هي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس والاستحسان والعرف والعادة" يضيف البياتي.
ويتابع أن الإمام "نشأ في مدينة الكوفة التي اشتهرت بالعلم وتضم أغلب العلماء، وانخرط منذ صباه في حلقات الدرس والمذاكرة، حتى تولى سنة 120 للهجرة وبعد وفاة شيخه رئاسة حلقة الدرس من بعده في مسجد الكوفة، وأخذ يدرس تلاميذه ما يعرض له من الفتاوى، حتى وضع تلك الطريقة الفقهية التي اشتق منها لاحقا المذهب الحنفي".
وحسب البياتي، فإن المصادر الإسلامية التي تناولت حياة الإمام أبي حنيفة، أشارت إلى امتناعه عن تولي القضاء إبان حكم الخلفية العباسي أبو جعفر المنصور، وحبس على أثر ذلك حتى توفي عام 150 للهجرة، عن عمر يناهز 75 عاما، ليدفن في مقبرة الخيزران ببغداد، ويبنى جوار قبره الجامع الذي يعرف الآن بجامع أبي حنيفة النعمان.
ويتفق العديد من الباحثين المتخصصين في مجال الدراسات الإسلامية، على أن الإمام أبا حنيفة، واحد من العلماء الذين انقطعوا إلى دراسة الفقه والعلوم الإسلامية المختلفة.
يقول الباحث الإسلامي فائز الشرع، إن "النعمان كان من المناصرين للثورة التي قام بها الإمام زيد ابن علي ابن الحسين خلال الحكم الأموي، وأحد الذين جمعوا التبرعات وأيدوا هذه الثورة، فضلا عن علاقته الوطيدة بالإمام جعفر الصادق ومراجعته في أغلب المسائل الفقهية، حتى قيل إنه تتلمذ على يده".
من يقف وراء دعوات هدم مرقده؟
ووصف الشرع الدعوات لهدم مرقد الإمام أبي حنيفة، بأنها "لا تمت للإسلام بصلة، وذات طابع آيديلوجي".
كما أن هدفها "إعادة إحياء النعرات الطائفية في البلاد من جديد، وربما ترتبط بالجو السياسي العام، بحيث تقف وراءها جهات سياسية لا تريد الخير للبلاد"، وفق ما يرى الشرع.
ويوضح أن "المرجعية الدينية (الشيعية) في النجف أكدت في أكثر من مناسبة على حُرمة التعدي على الأضرحة والمراقد والمساجد العائدة إلى مختلف المذاهب، ووقفت بوجه التهديدات التي طالت في وقت سابق مرقدي الإمام أبي حنيفة والشيخ عبد القادر الكيلاني".
"بالتالي فإن هذه الدعوات لا تمثل مذهباً أو طائفة بعينها، إنما صدرت عن جهات تحاول زعزعة الأمن والاستقرار، وتهديد السلم المجتمعي"، يتابع الشرع.
الصراع السياسي والمقدسات
تعد حادثة تفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006 واحدة من العلامات البارزة على تصاعد وتيرة العنف في العراق، التي اعتمدت على فكرة زج المقدسات والرموز الدينية في إذكاء الصراعات الرامية إلى زعزعة الأوضاع السياسية والأمنية في العراق.
يقول الباحث في علم الإنسان (الأنثروبولوجي) وليد عليوي، إن "إطلاق الدعوات المحرضة على المساس بالرموز والمقدسات الدينية، محاولة لاجترار ذات الخطاب الطائفي الذي شهده العراق منذ سنوات (2006-2008)، وتهدف إلى الحط من قيمة المقدس لدى الآخر والنيل من الجماعات المؤمنة به، بسبب الاختلاف العقائدي أو الفكري للجماعات التي تغالي بالتطرف ونبذ الآخر المختلف عقائدياً ومذهبياً".
ويضيف لـ"ارفع صوتك: "الشحذ الطائفي وزج المقدس في الصراع الطائفي، عملية فاعلة في المشهد الساسي العراقي، لأن العملية السياسية بنيت على أساس دولة المكونات، ما يناقض مفهوم المواطنة القائمة على أساس التنوع وقبول الآخر المختلف".
ويجد عليوي أن التطور الحاصل في وعي المجتمع العراقي قياسا بالسنوات السابقة "كفيل بعدم التأثر أو الانسياق لهذه الدعوات التي تنطلق بين الحين والآخر".
"فالكثير من العراقيين يدركون أن إقحام المقدس في الصراع السياسي، ليس من أجل المقدس نفسه، بل لتوظيفه من أجل المصالح السياسية لبعض القوى، التي عجزت عن إيجاد الحلول للمشكلات التي تواجه البلاد، فلجأت لمحاولة إعادة الخطاب الطائفي، الذي قد يجر البلاد إلى حرب طائفية مرة أخرى"، يتابع عليوي.
الاستمالة العاطفية والسلطة
في نفس السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع حسن حمدان لـ"ارفع صوتك)"، إن القوى السياسية المتصارعة بشكل محموم للوصول إلى السلطة "اعتمدت على إشاعة الثنائيات الجدلية التي تقود إلى الاختلاف الفكري والعقائدي بين البسطاء من أفراد المجتمع العراقي واستغلالها لتعميق الخلاف المجتمعي، واستمالة هذه الشريحة الواسعة من الناس الذين يعتقدون بدورهم بان هذه القوى المتصارعة تمثل انتماءاتهم الفكرية أو المذهبية".
"بيد أن هذه الاستمالات لا تمثل سوى الجهات التي تعمل على ترسيخها، وتحقق في نهاية المطاف مصالحها بالوصول إلى السلطة من خلال قاعدة مجتمعية نجحت هذه القوى في استمالتها عاطفياً"، يضيف حمدان.
من جهته، يقول المحلل السياسي علي البيدر، إن "العديد من القوى السياسية في العراق تحاول ومع قرب أي مناسبة سياسية مفصلية مثل الانتخابات، استيراد أزمات ذات عمق تاريخي، وتسويقها للجمهور الخاص بها".
ويتم هذا التسويق حسب البيدر "عبر صناعة عدو افتراضي يهدد أمن ووجود هذا الجمهور، بالتالي فإن الدعوات الأخيرة التي حرضت على هدم مرقد الأمام أبي حنيفة النعمان تأتي في هذا الإطار، وهي محاولات واضحة لإعادة الطائفية والاتكاء على المذهبية".
وكانت منطقة الأعظمية وسط العاصمة بغداد، شهدت خلال الأيام الماضية انتشارا أمنياً، على خلفية الدعوات التي حرضت على هدم مرقد الإمام أبي حنيفة، ما أيقظ مخاوف العراقيين من حرب طائفية جديدة.