المحايد/ ملفات
تزداد معاناة العراقيين يوماً بعد يوم، بسبب الأزمات التي يواجهونها والتحديات التي تتطور باستمرار، لتصل هذه المرة إلى المورد الاقتصادي المهم، وهو قطاع الزراعة، الذي يواجه تهديداً بسبب التصحر الذي يتوسع في العراق، ليجد مربو المواشي والمزارعون أنفسهم مرغمين على النزوح وبيع أرضهم.
السياسة الإقليمية أسهمت بشكل كبير بالتصحر في العراق، بعد تحديد الإطلاقات المائية وتقليصها من قبل الجانبين التركي والإيراني، حين بنيا سدوداً وجعلا نهر دجلة يواجه شحّة في المياه، ما أثر سلباً على المياه التي تصل إلى أراضي المزارعين، تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة ووصولها إلى نصف درجة الغليان.
وكانت ملوحة المياه قد تسببت في الأعوام الماضية بتحويل آلاف الهكتارات من الأراضي إلى أراضٍ بور، وبدخول مائة ألف شخص إلى المستشفيات في صيف عام 2018، ما شكّل أزمة إضافية خلال تلك الفترة.
وتسبب شح المياه في نهري دجلة والفرات بسبب السدود التي تبنيها تركيا وإيران، وامتلاء مجاريهما بكمّ هائل من نفايات كلّ المدن التي يعبرانها، بكارثة في شطّ العرب حيث بدأت الملوحة تتسرّب إلى الأراضي الزراعية وتقتل المحاصيل.
وشكلت ملوحة المياه، إضافة إلى الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، ضربة قاضية للقطاع الزراعي العراقي الذي يشكّل نسبة 5 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي ويوظّف 20 في المائة من إجمالي اليد العاملة في البلاد.
ورغم أن القطاع الزراعي ضعيف، فهو لا يؤمن أكثر من نصف احتياجات البلاد الزراعية، فيما تغرق الأسواق بواردات زراعية ذات جودة أعلى، إلا أن مئات الفلاحين وأسرهم يعتبرونه مصدر رزقهم إضافة إلى دوره بتوفير اليد العاملة.
وتضرّر سبعة ملايين عراقي من 40 مليوناً، من الجفاف والنزوح الاضطراري، وفق ما ذكر رئيس الجمهورية برهم صالح في تقرير أصدره عن التغير المناخي.
ويشرح الاقتصادي أحمد صدام عن الوضع قائلاً، إن "الطلب على السكن يزداد، أما الزراعة، فلم تعد تنتج مدخولاً كبيراً، فقد أصبحت أسعار الاراضي في محافظة البصرة تصل إلى ما بين 20 و120 مليون دينار أي نحو 27 ألفاً إلى 82 ألف دولار أميركي".
وأشار إلى أن تلك "تشكل مبالغ هائلة لم يربحوا المزارعون مثلها قط، ولذلك قاموا ببيع أراضيهم، وبفعل ذلك، تتحول 10 في المائة من الأراضي الزراعية كل عام إلى أحياء سكنية".
ومن شأن تلك الظاهرة أن تسرّع منفى أهل الريف العراقي في بلدهم بفعل الاضطرابات في التوازن الاقتصادي والاجتماعي والمناخي، وعن الأمر.. يشكو فلاح من الجنوب قائلاً، إن "كل ما نزرعه يموت، أشجار النخيل، البرسيم، وهي عادة نباتات تحتمل المياه المالحة، كلها تموت".
وأصبح جفاف الأنهر والأهوار واضحاً بالعين المجردة ويتسارع بشكل مطّرد في بلد شهد منذ 40 عاماً حروباً وأزمات متتالية أضرّت بشدّة بالبنى التحتية، فبات العراق يفتقر إلى مقومات التأقلم مع مناخ لا ينفكّ يزداد قساوة. وبحسب الأمم المتحدّة، فإنّ 3.5 في المائة من الأراضي الزراعية في العراق فقط مزوّدة بأنظمة ري
وفي السنوات المقبلة، سوف تزداد تداعيات التغير المناخي حدّة، كما كتب الرئيس العراقي: «مع وجود أعلى معدلات التزايد السكاني في العراق، تُفيد البيانات بأن عدد سكان البلد سيتضاعف من 38 مليوناً اليوم إلى 80 مليوناً بحلول عام 2050. وهذا يُضاعف المخاطر الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ إذا تُركت من دون معالجة".
وفي منطقة خانقين في شرق العراق المحاذي لإيران، يتحسّر المزارع عبد الرزاق قادر البالغ من العمر 45 عاماً على أرضه ومحاصيله، حين قال لـ "فرانس برس": "أربع سنوات مرت من دون مطر" على حقله للحنطة الممتد على مساحة 38 هكتاراً.
ويفكّر عبد الرزاق جدياً بالتخلي عن الزراعة والعمل كعامل بناء، كما فعلت غالبية فلاحي منطقته الذين هجروا حقولهم لسوء الأوضاع وغيّروا مهنتهم.
وطال التصحر "نسبة 69 في المائة من أراضي العراق الزراعية"، وفق ما يقول مدير قسم التخطيط في دائرة الغابات ومكافحة التصحر المهندس الزراعي سرمد كامل لوكالة الصحافة الفرنسية.