المحايد/ ملفات
أحدثت الفاجعة التي نجمت عن حريق مستشفى الحسين التعليمي في محافظة ذي قار، توتراً بين المسؤولين والأهالي والمحتجين، بعد ما أوقع الحريق أكثر من مئة حالة وفاة وإصابة، الأمر الذي أعاد الاحتجاجات إلى ساحة الحبوبي، بعد احتراق ذويهم داخل المستشفى وهم يتلقون العلاج.
ووقع الحريق في ليل الاثنين، وتسبب باستشهاد 92 شخصاً وإصابة أكثر من 50 آخرين، حسب ما أعلنته دائرة صحة محافظة ذي قار، وأظهرت المشاهد المصورة من داخل المستشفى الذي وقع فيه الحريق، حجم المآسي، وتفحم الجثث، وحسرات الأهالي الذين كانوا مفجوعين إلى حد الصدمة، بعد ما شاهدوا ذويهم محترقين، وجثثهم غير معروفة.
ويعاني العراق من اهتراء النظام الصحي والطبي، حيث تفتقر المراكز الصحية والمستشفيات والمستوصفات لأبسط المعايير، وتتكرر الحوادث الناجمة عن ذلك، في مختلف المحافظات العراقية، ليصل التخبط إلى إحصائيات المؤسسات الرسمية، عن عدد الضحايا بحادث الحريق.
وتضاربت حصيلة ضحايا الفاجعة، بين وزارة الصحة والبيئة في بغداد، ودائرة صحة محافظة ذي قار، التي أعلنت الثلاثاء وصول عدد شهداء الحريق إلى 92، بينما ذكرت الوزارة الأربعاء في بيان رسمي أن عدد الضحايا 60، من بينهم 21 جثة مجهولة الهوية، الأمر الذي يعده مراقبون علامة أخرى على التخبط وغياب الضوابط والتنسيق والشفافية في عمل الدوائر والمؤسسات الحكومية.
وفي هذا السياق تقول الناشطة المدنية وسام غضبان رواش، إن "الناصرية منكوبة ومكلومة بكل معنى الكلمة، ولحد الآن يوجد 21 جثة مجهولة الهوية، كونها قد انصهرت تماما جراء شدة الحرق، فالفاجعة حولت المستشفى لكتلة من الجحيم، والجثث هذه غير واضحة المعالم".
وتضيف: "لم يكلفوا أنفسهم المسؤولون عناء مجرد الحضور وتفقد المكان والناس المفجوعين بذويهم، فالأنقاض على حالها والنفايات والأوساخ تملأ المكان الذي تفوح منه رائحة الموت والحرق".
وتتابع رواش التي واكبت الفاجعة منذ البداية: "نحن في غابة يسيطر عليها الفاسدون المتسلطون، الذين لا يهمهم سوى الاثراء وتكديس الثروات على حساب الشعب المسحوق وعلى حساب الفقراء".
وكان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي قد أعلن عقب الحادث، إقالة كل من مدير صحة ذي قار ومديري مستشفى الحسين والدفاع المدني في المحافظة، وإخضاعهم للتحقيق عقب الحريق والايعاز بفتح تحقيق عاجل في الموضوع، ووسط التحركات السياسية التي بدأت بعد الفاجعة، كشف المدير العام للدفاع المدني اللواء كاظم سلمان بوهان، بعض التفاصيل عما حدث.
وقال بوهان في تصريح إعلامي، إن "لدى فريق الدفاع المدني كشوفات دورية ذكرت فيها جملة من السلبيات والمخالفات في جميع دوائر الدولة، منها وزارة الصحة"، مضيفاً أن "فريقه يملك أيضاً كتباً رسمية كان أخبر فيها إدارة المستشفى المحروق، بمواطن الخلل".
وأكد، أن "ضابط مركز الدفاع المدني المسؤول قام بزيارة تفقدية أخرى قبل حصول الحادث بـ 48 ساعة"، مبيّناً "ضابط المركز وجد خلال الزيارة أن إدارة المستشفى لم تنفذ أياً من التعليمات، فأشار في تقريره إلى ذلك، واحتفظ بصورة من السجل".
ولفت إلى أن "الفريق أشعر إدارة المشفى بكتاب رسمي خلال الشهرين الماضيين، بأن هناك تسرباً في منظومة الأكسجين المغذي للردهات وهذا خطير جدا"، مؤكداً أن "الإدارة لم تتحرك ولم تبادر في معالجة تلك الثغرات".
ووفقاً لمصدر في دائرة الصحّة في المحافظة أبلغ "المحايد"، فإنّ "الحريق نجم عن انفجار اسطوانات أوكسجين. وإذا صحّت هذه المعلومات تكون هذه المأساة نسخة طبق الأصل عن تلك التي وقعت في مستشفى ابن الخطيب في بغداد في نهاية نيسان ونجمت أيضاً عن سوء تخزين اسطوانات الأوكسجين التي يستخدمها مرضى كوفيد-19".
ويروي سيد سجاد وهو من أهالي مدينة الناصرية الذين هرعوا فور حدوث الكارثة لإسعاف العالقين في مبنى المستشفى المنكوب، فظاعة المشهد بالقول: "فور سماعنا بخبر اندلاع الحريق داخل مستشفى الحسين، بادرنا للذهاب على عجل إلى هناك، حيث كانت رائحة الدخان والشواء تملأ المكان وكان الضحايا متفحمين تماما، فقمنا قدر استطاعتنا بمساعدة بعض الناجين والجرحى المصابين ومحاولة تهدئة ذويهم، حيث فقد الكثيرون أقرب الناس لهم أمام أعينهم، دون أن يتمكنوا من فعل شيء".
ويضيف: "أسر بأكملها قضت في هذه الفاجعة التي لا يمكن وصفها بالكلام فقط، فما شاهدناه يفطر القلب وستبقى مشاهد أنين الضحايا وصرخات استغاثتهم، عالقة في ذاكرتي ما حييت".
يشار إلى أن محكمة استئناف ذي قار، كانت أصدرت الثلاثاء، أوامر قبض وتحرٍ بحق 13 مسؤولاً في دائرة صحة المحافظة، بينهم مدير الدائرة صدام الطويل.
وأظهرت وثيقة صادرة عن محكمة تحقيق ذي قار، "صدور أوامر قبض وتحر بحق 13 مسؤولاً بدائرة صحة محافظة ذي قار بينهم مدير الدائرة صدام الطويل، وذلك على خلفية الحريق الذي اندلع في مستشفى الحسين التعليمي".
وبعد الكارثة، أكد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أن "البعض يحاول زعزعة الأمن ونشر الفوضى في البلاد، مشيراً إلى أن هناك حاجة لفصل العمل الإداري عن النفوذ السياسي"، مشدداً على أنه "لن يتسامح مع الفاسدين أو المتلاعبين بأرواح المواطنين، لافتاً إلى أن جهود مكافحة الفساد تواجه عرقلة ممنهجة".
وعزت مصادر، سبب حادث حريق المستشفى إلى الإهمال الذي غالباً ما يكون مرتبطاً بالفساد في بلد تعاني مستشفياته من حالة سيّئة وهاجر عدد كبير من أطبّائه بسبب الحروب المتكرّرة منذ أربعين عاماً.
وكان العراق معروفاً حتّى ثمانينيات القرن الفائت بمستشفياته في العالم العربي وبجودة خدماتها ومجّانيّتها، لكنّه بات اليوم يعاني تدهوراً على هذا الصعيد وسط ضعف تدريب كوادره الصحيّين وقلّة موارد وزارة الصحّة التي لا تتجاوز 2% من مجمل موازنة الدولة.
وأعلنت وزارة الداخليّة في نيسان اندلاع سبعة آلاف حريق بين كانون الثاني وآذار، كان سبب غالبيتها احتكاكات كهربائية في متاجر أو مطاعم أو مبان، فيما تضرب البلاد حالياً موجة حرّ تجاوزت الخمسين درجة مئوية.