المحايد/ بروفايل
بدشداشة مُهلهلة وسط جمع في محافظة الانبار يمجّد ويناصر حارث الضاري، سُجِّل أوّل ظهورٍ لمصطفى عياش الكبيسي، الفتّى الذي سيتنقّل برشاقة بين المجاميع الإرهابية المتطرفة، عاملاً معها بصفة دليل على أهل محافظته، ومُلبياً لرغبات قادتها، وناقلاً لها الأموال من دول الخليج.
بداية التطرف
على الرغم من ان مصطفى عياش الكبيسي، المولود في مدينة الفلوجة عام ١٩٨٧، قد أزاح "الدشداشة" عن جسده وارتدى بدلة رسميّة، إلا أن وحل الأفكار المتطرفة والطائفية لا تزال تُسيطر عليه وتسيّره وتقوده إلى ابتكار خطط تؤدي دائماً إلى زعزعة استقرار الانبار.
ويُظهر الخطّ البياني لتنقل مصطفى عياش الكبيسي بين المجاميع الإرهابية فداحة تطرفه، ونبذه لكل فكرة تدعو إلى الاعتدال واتباع السلميّة مبدئاً لتحقيق الأهداف. فالفتى الذي كان يرتدي الدشداشة في البداية انخرط في هيئة علماء المسلمين بقيادة حارث الضاري، وحمل السلاح مع المجاميع المسلحة التابعة للهيئة والتي روّعت السكان مثل جيش عمر والنقشبندية وغيرها، لكنه لم يكتف بذلك، فانضم إلى تنظيم "القاعدة".
وأثناء الرحلة الأولى بين المجاميع المتطرّفة، كان شقيقه محمد عياش الكبيسي مناصراً له، وداعماً لتحركاته، وموجهاً إياه في كيفية تسلّق المناصب داخل هذه المجموعات.
يروي أحّد جيران الكبيسي في مدينة الفلوجة أن "مصطفى كان متطرفاً داخل الفلوجة أكثر حتّى من مقاتلي التنظيم الأجانب.. كان يوجّه عناصر التنظيم إلى الجيران الذين يناهضون التنظيم"، مشيراً إلى أن "الكثير من الأهالي اختفوا على يد القاعدة نتيجة لوشايات مصطفى".
الصعود داخل القاعدة
وبالوشاية والولاء المطلق للقاعدة، أخذ اسم مصطفى عياش الكبيسي يتردد لدى قيادات "القاعدة" حتّى اختير ليصبح صلة وصل بين التنظيم والممولّين له من رجال أعمال عرب، وخاصّة من دول الخليج. هنا بالذات، ارتدى الكبيسي البدلة الرسمية، وصار يعقد لقاءات في العاصمة الأردنية عمّان، وينسّق لنقل الأموال للقاعدة في العراق لأجل تنفيذ العمليات الإرهابية داخل أراضيه.
وليس معروفاً بالتحديد المناسبة التي جمعت مصطفى عياش الكبيسي برجل الأعمال العراقي خميس الخنجر، الداعم هو الآخر والممول للتنظيمات المتطرّفة في العراق.
وتتحدّث إحدى الروايات عن أن مصطفى عياش التقى الخنجر مصادفة أثناء اجتماع جمع رجال أعمال خليجيين ممولين للتنظيمات المتطرفة في العراق، وتعرفا إلى بعضهما هناك وما يزالا يعملان إلى اليوم سويّاً، لكن رواية أخرى تتحدّث عن أن مصطفى عياش كان يقوم بدور ناقل الأموال التي يجمعها الخنجر للقاعدة، وهكذا توطدت علاقتهما. وبكل الأحوال، وعلى تعدد الروايات، فإن الرابط الأوّل بين الخنجر وعياش هو تنظيم القاعدة.
العياش تحت جناح الخنجر
في عمّان، وتحت جناح خميس الخنجر، وجد مصطفى عياش الكبيسي، مساحة أوسع لتنفيذ الأفكار المتطرّفة التي يتبانها مع شقيقه محمّد، ولكن كذلك باباً للتربّح من خلال الوساطة بين رجال الأعمال والتنظيمات المتطرّفة التي تنفذ أعمال الترويع والتهجير والتفجير في العراق.
وفي الأعوام بين ٢٠١٢ و٢٠١٤ ستؤدي شراكة الخنجر ومصطفى عياش الكبيسي إلى واحدة من أكبر المآسي في تاريخ سنّة العراق. فالخنجر الذي يستثمر بالدمار، وجد بغضب أهالي المناطق السنية من حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي فرصة للتجييش الطائفي وجمع المجموعات المتطرفة تحت خيمة واحدة، بينما وجدها مصطفى عياش فرصة جديدة لانطلاق الحرب الأهلية، التي يؤمن بها هو وشقيقه محمّد كأفضل حل لسنّة العراق.
مدفوعون بهذه الأفكار، تحرّك خميس الخنجر إلى رصد كميّات أموال كبيرة لجمع كل المتطرفيّن في خيام الاعتصام في المحافظات السنيّة، وبينما كان مصطفى عياش ينقل هذه الأموال لإدامة بقاء خيام الاعتصام، كان شقيقه محمد يفتي ويحض الشيوخ على إصدار خطب وفتاوى تحرّض على حمل السلاح والزحف إلى بغداد.
وإلى جانب دعم شخصيّات سياسية سنيّة وأحزاب مثل الحزب الإسلامي لتصاعد الخطاب المتطرّف داخل خيام الاعتصام، تهيأت الأجواء لـ"داعش" للتغلغل في المحافظات السنيّة، وقد روّج الخنجر والاخوين مصطفى ومحمد الكبيسي لعناصر التنظيم على أنهم "ثوّار". ويظهر لقاء على قناة العربيّة إلى أي مدى آمن الخنجر بهذا المشروع، إذ دافع عن التنظيم بشراسة، بينما تظهر منشورات الأخوين الكبيسي في تلك الفترة ترويجهما للتنظيم الإرهابي.
فساد واسع
بدءاً من عام ٢٠١٤، أخذت شراكة الخنجر ومصطفى عياش تتوطّد أكثر، وأفكار الخراب التي أدت إلى احتلال تنظيم "داعش" لثلث مساحة العراق، بدأت تؤتي أُكلها. وبعد أن دعما داعش علناً، ظهرا مرة ثانية علناً يدافعان عن السنّة والنازحين.. لكن هذه الدافع أخفى الكثير.
تُظهر تحقيقات هيئة النزاهة أن خميس الخنجر اختلس أموالاً طائلة عبر المؤسسات التي أقامها لدعم النازحين والتي أدار عدداً منها مصطفى عياش الكبيسي. والقضايا الأساسية في هذه التحقيقات، هي أن مؤسسات الخنجر زوّرت فواتير لشراء خيام وأغطية وطعام للنازحين، بينما في الحقيقة كانت كل هذه الفواتير وهميّة، وأن مؤسسات الخناجر لم تقدم شيئاً يُذكر للنازحين، ولم تجد في هذه الفئة المستضعفة إلا باباً للتربّح.
فواتير الخراب
لم يتوقف استثمار الخنجر وعياش بالنازحين، إذ تعداه إلى العائدين منهم إلى مناطقهم.. وهذه المرّة، تتبدى واحدة من أكبر قضايا الفساد التي تخصّ مستقبل أجيال بكاملها، إلا وهي قضيّة التعليم. فمصطفى عياش الكبيسي يعرف نفسه بأنه مهتم بما يسميه "تطوير التعليم"، وهذا الاهتمام بالموضوع ظهر مع إبداء دولة قطر بناء مدارس في العراق.
وكما كشفت صحفي في صحيفة "الشرق" القطرية، فإن الخنجر حصل على ملايين الدولارات من قطر لتطوير التعليم في العراق لصالح المؤسسة التي يديرها عياش. وأضاف المصدر "اكتشفت الحكومة القطرية أن هذه الأموال سُرقت من قبل الخنجر وعياش ولم تجد طريقها إلى المدارس".
وفي هيئة النزاهة في بغداد، يخضع ملف تحقيق بخصوص بناء المدارس والمناهج التعليمية، وبطلاه الخنجر وعياش.
وتشير تحقيقات الهيئة إلى أن المؤسسة التي يديرها عياش استلمت أراض من الدولة لبناء المدارس، لكن هذه الأراضي تحولت إلى مشاريع تجارية.
مشروع سياسي بنكهة الدمار
تظهر ملفات الفساد التي أدارها الخنجر ومصطفى عياش أنهما صارا يمتلكان أموالاً كبيرة ويخططان لتحرك سياسي في المناطق السنية، لكن وكما يردد شيوخ الانبار، فإن الخنجر أينما حل يحل معه الخراب والدمار.
وكما ذكر مؤخراً علي حاتم السليمان، الشيخ القبلي الذي كان أحد المقربين من الخنجر، فإن الأخير "أغبى أغبياء السياسيين السنة، وكل تحركاته تقود في النهاية إلى الدمار".
ويجيش مصطفى عياش الكبيسي في الآونة الأخيرة عدداً كبيراً من المدونين في محاولة منه لتصدير الخنجر كسياسي وطني، لكن عياش يبدو أنه لا يختلف كثيراً عن الخنجر، فهو يعيد سقطات زعيمه نفسها، وكان آخرها قضية جرف الصخر التي حاول الترويج لها على أنها "مصالحة" و"نصر سياسي" وظهرت في نهاية الأمر انها ليست سوى تمثيلية كشفها الجمهور السني من أول مشهد.