المحايد/ ملفات
بعد إعلان الاتفاق بين واشنطن وبغداد على سحب القوات القتالية الامريكية نهاية العام الحالي، برزت التساؤلات حول السلاح الذي تمتلكه الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، مع خوفٍ من أن يسيطر عناصر الفصائل على الحكم بشكل كامل، خصوصاً وأن جناحهم السياسي المتمثل بتحالف الفتح، قد يدخل للانتخابات وهو "فرح" بانسحاب القوى السياسية الأخرى.
البيان الذي أصدره الإعلام الحكومي كان واضحاً حول انسحاب القوات القتالية، لكن أغلب الفصائل المسلحة تتمسك بموقفها بأن الإعلان كان شكلياً، وأن القوات ستبقى في العراق، مع تغيير مهامها، لتضمن بقاء السلاح بحوزتها، مع تصويب النظر باتجاه القوات التركية، لتتخذها ذريعة تُبقي من خلالها السلاح بحوزتهم، لكن خميس الخنجر سيعقد صفقة معهم، كما فعل في جرف الصخر، وإعطاء أراضٍ للأتراك وتحقيق مكاسب سياسية للجناح السياسي للفصائل، خصوصاً وأن تركيا لا تشكل خطراً على إيران مثل أمريكا، بحسب ما يرى بعض المراقبين.
إعلان الانسحاب جاء خلال الجولة الرابعة والأخيرة من المحادثات الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد، الاثنين، التي جرت في الولايات المتحدة بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
وعن الموضوع، يقول المحلل السياسي، وائل الركابي،إن "إعلان سحب قوة عسكرية مقاتلة أمريكية هو إقرار واعتراف بزيف ما كان يقال سابقا بأنه لا يوجد مثل هذه القوات، حيث كانوا يقولون إنهم مستشارون ومدربون".
وكشف الركاب أن "تنسيقية فصائل المقاومة اجتمعت بعد الإعلان، وستعلن موقفها جراء الاتفاق (الانسحاب الأمريكي) الذي لا بد أن ينعكس خلال هذه الأيام المقبلة على الواقع الحقيقي، فالانسحاب عندما يعلن لا بد من وجود آثار له".
وأضاف: "يفترض أن تكون بوادر الانسحاب العسكري واضحة خلال الأيام القليلة المقبلة، وخصوصا نحن أمام انتخابات، أي لا بد من أن يكون الاطمئنان قبل موعد الانتخابات في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل".
الأمر الآخر، بحسب الركابي، فإنه يجب أن "يعلن الأمريكيون أن لا وجود لهم في قواعدهم في عين الأسد بالأنبار والحرير في أربيل وفكتوريا بمطار بغداد، ومن ثم إذا كانت قواعدهم باقية فهذا ضحك على الذقون، والتفاف بتغيير الاسم من قتالية إلى استشارية".
وتساءل الركابي: "هل سنرى أن الطائرات المسيرة ستغيب عن السماء العراقية، وعودة السمار إلى السيادة العراقية، فلو تمت كل هذه الأمور فستبقى المقاومة (المليشيات) في حالة هدنة طبيعية، ولن تستهدف أي مقار تابع لهذه الجهة".
وأوضح أن "سلاح هذه الفصائل هو سلاح الدولة، فهو تابع للحشد الشعبي التابع للقائد العام للقوات المسلحة، وأعتقد أن قادة فصائل الحشد أعلنوا بدء مرحلة الهدنة حتى يكونوا داعمين بناء الدولة بشكل حقيقي وواضح، فسلاحهم رفع بوجه الاحتلال".
ويشير بعض المراقبين للشأن الأمني في العراق، إلى أن "الفصائل المسلحة ستطلق مقاومة أخرى، تتمثل بمحاربة التواجد التركي، لكنها تبقى شكلية، لأن قادة الفصائل إذا ما توافقوا مع الجهات السياسية التي ترتبط بتركيا، من أمثال خميس الخنجر، ستتجه إلى غظ البصر عن الاعتداءات التركية، بعد التوافقات السياسية".
وعقد الخنجر "صفقة" مع الفصائل المسلحة لعودة نازحي جرف الصخر، مقابل ولائهم للحشد، وإعطاء صوتهم لكتلة الخنجر التي ستدخل عن طريق تحالف العزم، بحسب ما يرى بعض المراقبين.
وفي تحليلٍ آخر، يقول المحلل السياسي العراقي، غانم العابد، إن "هذه الفصائل ستتمسك بسلاحها وتدعم وتقوي منظومة الحشد الشعبي، وهذا سيلقي بظلاله على الحكومات العراقية المقبلة، التي ستبقى في كل الأوقات ضعيفة أمام قوة الفصائل".
وأوضح العابد أن "سلاح المليشيات ليس له علاقة بالوجود الأمريكي؛ لأن الأخير لم تكن مشكلة عراقية بقدر ما هي مشكلة إيرانية وعائق أمام ابتلاعها للعراق بشكل كامل".
وتابع: "لذلك حاولت طهران التخلص من الوجود الأمريكي في العراق دون استخدام المواجهة العسكرية، فقد ضغطت على البرلمان العراقي لاتخاذ قرار بإخراج القوات الأمريكية بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، رغم تحفظ القوى السنية والكردية على القرار".
وأشار العابد إلى "وجود انقسام داخل الفصائل المسلحة حيال فهم قانون إنهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية فالبعض رحب، بينما تحفظ آخرون، وأن خلافات حصلت باجتماع عقد بين هذه الفصائل، خاصة مع وصول قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد بزيارة غير معلنة للتفاهم والترتيب للأيام المقبلة".
ولفت إلى أن "زعيم الصدري مقتدى الصدر، وهادي العامري رحبا بالخطوة، لكن هناك فصائل تحفظت على قرار سحب القوات القتالية، وهذا يدل على وجود انقسامات داخل الفصائل، فما كان يوحدها هو قتال تنظيم الدولة، وبعد انتهاء الأخير حدثت انقسامات كبيرة كانت منذ بدايتها أشبه بمحاولة الصدام المسلح".
ورأى العابد أن "إيران لا تزال ضابط الإيقاع، وهي ستتفرّد بالعراق بعد انتهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية، وأن العراق قد دخل في نفق مظلم، وربما الولايات المتحدة قد تكون تنتظر هذه الفوضى للتعامل مع نتائجها؛ لأن الواقع أثبت أن العراق لا يمثل أولوية لدى أمريكا".
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في تقرير لها، الأحد، إن الكاظمي بهذا الإنجاز سيحقق نصرا سياسيا يعود به إلى الوطن لإرضاء الأطراف المعادية للولايات المتحدة في بلاده، بينما يبقي على الوجود العسكري الأمريكي.
ووصفت الصحيفة الأمريكية خطوة الكاظمي بأنها "أحدث جهود الكاظمي ليسير ما بين احتياجات ومطالب الحليفين الأقرب للعراق؛ الولايات المتحدة وإيران".
وتطالب الفصائل المدعومة من إيران بسحب القوات الأمريكية من العراق، بينما يصر المسؤولون العراقيون على أنهم لا يزالون بحاجة لدعم القوات الأمريكية، وفقا للصحيفة.
ولفت مسؤولون في واشنطن، بحسب الصحيفة إلى أنهم يتوقعون أن تبقى مستويات القوات الأمريكية في العراق على وضعها الحالي، 2500 جندي، بينما سيتم إعادة تحديد أدوار بعض القوات منها.
وبينما وصفت الصحيفة خطوة الكاظمي بأنها تمنحه "غطاء سياسيا مؤقتا"، لفتت إلى ما أكده مسؤولون في بغداد بأن إعادة تحديد أدوار القوات الأمريكية بدلا من الانسحاب، لن يكون أمرا مرضيا على الأرجح للأطراف التي تطالب بسحب القوات.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن، الاثنين، أن الولايات المتحدة ستنهي مهمتها القتالية في العراق مع حلول نهاية العام الجاري، مع استمرار عدد من قواتها لتولي مهام تدريب الجيش العراقي وإمداده بالاستشارات العسكرية.