المحايد/ ملفات
لا يخرج العراقيون من صدمة، نتيجة كارثة، أو حادثة أمنية، أو اجتماعية أو اقتصادية، حتى تشتعل أزمة جديدة تعيد تذكير المواطنين "بفقدان الدولة" وفقاً لتعبير يوسف خضير، الموظف بإحدى دوائر محافظة كربلاء.
وتعيش المحافظة، توتراً أمنياً غير مسبوق، بعد مقتل مدير بلدية مدينة كربلاء عبير الخفاجي، أمس الأربعاء، على يد أحد المتنفذين، الذي فتح الرصاص عليه وهو برفقة عناصر أمن ومسؤولين محليين، أثناء تنفيذ حملة لإزالة التجاوزات أراضي الدولة.
وأثارت هذه الجريمة التي تمت على مرأى الجميع في وضح النهار وبوجه مكشوف للقاتل، غضب مئات العراقيين، الذين تداولوا فيديو يوثق لحظة مقتل الخفاجي.
وعلى أثره، أعلن محافظ كربلاء نصيف الخطابي، الحداد مدة ثلاثة أيام، فيما أمر وزير الداخلية، عثمان الغانمي، بحجز القوة الأمنية المرافقة للمغدور عبير الخفاجي.
ووصل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى مكان الجريمة، أمس الأربعاء، قبل زيارته عائلة الخفاجي.
ووجّه بإحضار القاتل بعد القبض عليه، إلى الشارع الذي ارتكب فيه جريمته، مشدداً على " كما جاء وفق منشورات وصور لمكتب الكاظمي الإعلامي.
"اكتمل التحقيق"
وبعد يوم من القبض عليه، أعلن مجلس القضاء الأعلى، اكتمال التحقيق مع المتهم بجريمة قتل مدير بلدية كربلاء.
وأوضح بيان المجلس، اليوم الخميس، أن محكمة كربلاء أحالت المتهم بقتل الخفاجي، حسين جواد عبد الأمير، لمحكمة جنايات كربلاء، وحددت 22 أغسطس الجاري، موعداً للمحاكمة.
وأكد المجلس اكتمال التحقيق، بقوله "إحالة المتهم تمت بعد أن اكتمل التحقيق في الجريمة؛ لوضوح الأدلة فيها، خاصة مع اعتراف المتهم بها، واكتمال الإجراءات التحقيقية التي بذلت جهوداً استثنائية".
وفي حوار صحافي بين علي عبير الخفاجي، نجل المغدور، أكد أن أباه "تعرض للكثير من التهديدات من أشخاص مجهولين".
وأضاف "أسرتنا ليس لديها عداوة مع أحد بعينه، ولا ننتمي لجهة سياسية. قاتل والدي كان متجاوزاً على ملك الدولة، ووالدي وبلدية كربلاء قاموا بإزالة ذلك التجاوز كجزء من عملهم، لكن حصل ما حصل وقُتل أبي".
نبض الشارع
يقول الموظف الحكومي في إحدى الدوائر الخدمية بكربلاء، يوسف خضير، إن "قاتل مدير بلدية المدينة المهندس عبير سليم الخفاجي، معروف لدى الجميع، وهو من المتنفذين الصغار في المحافظة، لكنه وطوال السنوات السابقة، كان يعرف جيداً أن لا أحد سيقترب من تجاوزاته الكثيرة على أراضي الدولة كونه محميّاً من جهات سياسية".
ويضيف خضير (45 عاماً) "لم تكن المرة الأولى التي يتصارع فيها حسين جواد، مع المسؤولين في المحافظة، فمسؤولي الدوائر البلدية، يعرفون جيداً أنه لم يقدم على فعلته إلا لإدراكه أن هناك من سيحميه ويدافع عنه".
ويتابع "هناك العشرات من الشكاوى ضده في رفوف دوائر البلدية، والكثير من المحاولات السابقة لمنعه من توسع تجاوزاته على أراضي الدولة وتحويلها إلى شقق سكنية ومجمعات، يكسب منها الملايين سنوياً، كما أنه كان محميّ من القبيلة التي ينتمي لها، التي طالما وقفت ضد أي محاولة لإزالة تجاوزاته، وهددت باللجوء إلى السلاح".
ويؤكد خضير "الكثير ممن حاورتهم، يقولون الشيء ذاته (نخشى فقدان الدولة)، بسبب تنفذ قوى اللادولة وسيطرتها على مقدرات العراقيين".
وفي اعترافات قاتل الخفاجي، التي بثتها قناة الدولة الرسمية (العراقية الإخبارية)، ظهر الأخير وأمامه هوية تحمل عنوان موظف حكومي في مكتب المحافظ، ما أثبت الشكوك التي تتحدث عن استغلاله وظيفته الحكومية، وعلاقاته السياسية في توسيع نفوذه.
وفي تقرير سابق، نشرته إحدى القنوات المحلية، يظهر أحد شيوخ القبيلة التي ينتمي لها القاتل، وهو يهدد بأن استمرار عمل مدير البلدية قد يؤدي إلى حدوث "دم" بين قبيلة المتجاوِز والمهندس المغدور.
في نفس السياق، اشتكى عدد من أهالي منطقة "المعملجي" التي شهدت وقوع الجريمة، من أنها "قد لا تكون الأخيرة نتيجة استمرار كوادر البلدية بإزالة التجاوزات في المنطقة بتوجيه مباشر من رئيس الوزراء أثناء زيارته المنطقة".
يقول عادل سلام (26 عاماً) "تحولت منطقتنا بعد عام 2003 إلى موقع مفضل للمتجاوزين على الأراضي الحكومية، وهناك من صار بين ليلة وضحاها من أغنى أغنياء كربلاء، بعد سيطرته على مناطق واسعة من المعملجي، وتحويلها إلى محلات، وقطع أراضي سكنية وعمارات". ويضيف "في مكان مقتل الخفاجي، يوجد أكثر من متجاوز، لكن المتضرر الأكبر كان القاتل، حيث يمتلك بنايات ومحلات ودوراً وأراضٍ يستغلها لصالحه".
ويبدي سلام خشيته من تكرار حوادث القتل، وعدم وجود رادع حقيقي للمتنفذين في المحافظة، ممن يملكون السلاح بشتى أنواعه والنفوذ في الأجهزة الأمنية ودوائر الدولة، و"يستطيعون قتل من يقف بوجههم دون أن يرف لهم جفن" وفق تعبيره.
"أهالي كربلاء ملّوا هذه الصراعات التي تتحول إلى عمليات تصفية، بين الأطراف المتنازعة والدولة، فنحن في كل مرة نعيش مأساة متجددة ضحاياها الأبرياء العزل"، يتابع سلام.