المحايد/ مجتمع
حكمت محكمة في بغداد على زوجين بالسجن لعرض ابنهما (عمره 5 أعوام) للبيع عبر فيسبوك.
وقضت بحبس رحيم (48 عاماً)، وزوجته ريام (29 عاماً)، لمدة 6 سنوات وفق أحكام المادة "سادسا/ أولاً/ خامساً من قانون الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012" حسب ملفات مجلس القضاء الأعلى.
وكانت الشرطة قبضت على الأبوين في منطقة الكرادة أثناء عملية تسليم الطفل مقابل 10 ملايين دينار عراقي، وهو ما أكده رحيم في اعترافاته.
ورحيم منتسب في الأجهزة الأمنية ومتزوج من امرأتين، لديه من زوجته الأولى 6 أبناء، والثانية طفلان الأول عمره 5 أعوام والثاني لا يتجاوز عمره شهراً واحداً.
وأقر الزوجان، أمام قاضي التحقيق، بالتهم الموجهة إليهما وعبرا عن ندمهما على ما فعلاه.
وخاض رحيم معاناة في عدم قدرته على إجراء عملية جراحية له بسبب ديونه المتراكمة، حيث أقدم على استدانة مبالغ نقدية كبيرة بطريقة الفائدة حتى تضاعفت عليه، لكن زوجته ريام أخبرته بـ"الحل".
وأثناء تصفح ريام لمنصات التواصل الاجتماعي عثرت بالصدفة على موقع لبيع الأطفال، وقامت بالنشر على ذلك الموقع (أريد أن أبيع طفلي البالغ من العمر 5 أعوام).
ورغم تلقيها الكثير من النصائح بعدم الإقدام على مثل هذا الأمر، إلاّ أنها لم تبال، واتفقت مع أحدهم ويدعى أيمن مقابل 10 ملايين دينار عراقي.
كما شرح رحيم بعد أن أخبرته زوجته بإمكانية الحصول على المبلغ والتخلص من الديون كيف أنه لم يكن لديه خيار إلا بيع طفله.
وأوضح "الوسيط أيمن حضر إلى باب شقتي بعدما أعطيته العنوان ومعه المشتري، لمشاهدة الطفل واتفقنا بعد ذلك في أن أعطي الطفل على شكل (هبة) وليس بيعاً وتعهد المشتري بالتكفل في إجراء عملية جراحية لي".
وأشار رحيم أمام القاضي إلى أنه أقدم على بيع ابنه "بسبب وضعه الصحي وكذلك لتحسين ظروفه المعيشية".
سخرة الأطفال
لا تستغرب الناشطة الحقوقية سلوى حازم، من أن يعمد الإباء إلى بيع أطفالهم مقابل مبلغ مالي. تقول لـ "ارفع صوتك" إن "سخرة الأطفال والعبودية لم تختف يوماً حتى تعود وتظهر الآن".
وتضيف " نحن نواجه يوميا الكثير من حالات بيع الأطفال، ولكن ربما بشكل مغاير أو بعيداً عن المنصات الإلكترونية".
وترى حازم أن لبيع الطفلة القاصر مقابل مبلغ يدفعه الرجل الذي سيشتريها بذريعة الزواج "واحدة من الحالات المنتشرة بشكل مخيف في البلاد".
وتتابع "لماذا الاستغراب؟! فالفقر والحرمان والجهل يفعل ذلك في بلد تعجز حكومته تأدية دورها الحقيقي في فرض سلطة القانون".
وتؤكد حازم، أن "ضعف سلطة القانون يسمح لعصابات الاتجار بالبشر ممارسة نشاطها بحرية" مردفةً "ممارسات عصابات الاتجار بالبشر تتغير حسب أوضاع البلاد الأمنية والاقتصادية. فتارة يتم اختطاف الضحايا كرهائن من أجل الحصول على فدية، أو يتم اختطافهم والتصرف بهم مباشرة من دون الاتصال بعوائلهم، وتارة أخرى تعمل مع وسطاء يرتبون اتفاقيات شراء الأطفال".
علاقة "مشوهة"
من جهتها، تعتبر الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة صبيحة الصالحي، أن منصات التواصل الاجتماعي، من بينها فيسبوك، باتت نافذة مفتوحة لعصابات الاتجار بالبشر. إذ بمقدورها الوصول بسهولة لشرائح مختلفة من المجتمع".
وتقول"أن تصل المرحلة إلى إنشاء صفحات خاصة بعمليات الاتجار بالبشر، فيعني انهيار المجتمع بشكل مرعب".
وترى الصالحي أن في وصول الآباء والأمهات مرحلة بيع طفل من أطفالهم مقابل المال "دلالة على وجود علاقة مشوهة بين الأبوين، وغالبا ما يكون المال هو الذي يحكم تلك العلاقة".
ولأن عمليات بيع الأطفال ليست رخيصة وسرية، والدفع يتم نقداً، في وقت تتضاعف نسبة الفقر بالبلاد، فإنها قد "لا يجلب المال فقط، ولكن الحماية أيضا، إذا عمل كوسيط لتجار البشر" حسب تعبير الصالحي.
جائحة كوفيد-19
وكان مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أصدر دراسة جديدة تتناول أثار جائحة كوفيد-19، على جهود مكافحة الإتجار بالبشر.
وأوضحت الدراسة أن الجائحة جعلت عدداً أكبر من الناس عرضة للاتجار، كما أثرت "بشكل سلبي" على الدعم والرعاية التي يتلقاها ضحايا الاتجار، وقدرة أجهزة الشرطة على مواجهة هذه الجريمة.
وأضافت أن انخفاض معدلات الدخل وزيادة البطالة خلال الجائحة، عوامل تستغلها عصابات الاتجار التي تخدع الأشخاص الباحثين عن فرص عمل عن طريق تقديم وعود زائفة بالتوظيف.
"كما أن ارتفاع معدلات استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي خلال الجائحة بسبب إجراءات الإغلاق، تم توظيفه من قبل الجماعات الإجرامية التي تستخدم هذه المنصات لاستهداف الضحايا"، وفق الدراسة.
ويتم استخدام الإنترنت لاستهداف الأطفال بشكل خاص، حيث ارتفع عدد ضحايا الاتجار من الأطفال بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ويتعرض الأطفال الذين يتم الاتجار بهم إلى الاستغلال الجنسي أو الزواج بالإكراه أو العمل القسري أو المشاركة في الإجرام.
وأوردت الدراسة، أن إجراءات الإغلاق والحد من الحركة التي تم تنفيذها للسيطرة على انتشار الفيروس، جعلت هروب الضحايا من عصابات الاتجار أكثر صعوبة، كما تمت إعادة توجيه بعض وحدات الشرطة المتخصصة في مكافحة الاتجار إلى مهام أخرى تتصل بمواجهة الجائحة وأثارها، وهو ما أضعف من قدرة الدول على ملاحقة المتورطين وتفكيك الشبكات.
وتوصي بتطوير خطط وإستراتيجيات مخصصة لمكافحة الاتجار بالبشر في إطار الأزمات، بالإضافة إلى تعزيز إجراءات دعم الضحايا وتخصيص موارد كافية لذلك، وتكثيف جهود التوعية بمخاطر الإتجار وأساليب استهداف الضحايا، ورفع الوقاية بما في ذلك عن طريق وضع إجراءات لحماية الأطفال على الإنترنت، فضلاً عن تطوير إجراءات العدالة والتقاضي الإلكترونية لتوظيفها في القضايا الملائمة.