المحايد/ بغداد
انتهى مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي عُقد السبت الماضي، بمشاركة دول جوار العراق ودول إقليمية، وخصوصاً تركيا وإيران، اللتان يمثلان دول المنبع لمياه العراق، واللتان قلّلت حصته المائية، وجعلت نهريه يشهد انخفاضاً ملحوظاً.
وكان العراقيون يراقبون بأن تُناقش هذه القضية المهمة، التي تهددهم بالعطش والجفاف، داخل المؤتمر، إلا أنه وفي بيانه الختامي لم يتطرق إلى هذا الموضوع، وبقيَ الحال على ما هو عليه، لتبرز الان مطالبات برلمانية للحكومة، بمعالجة الملف الذي تأثيره الأول على حياة العراقيين بسبب تأثيره على الأراضي الزراعية وما يسببه من جفاف.
لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الإستراتيجي النيابية، طالبت وزير الموارد المائية مهدي رضيد الحمداني بضرورة التحرك العاجل على جيران العراق لضمان حصة البلاد المائية.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس اللجنة، حازم الخالدي، في بيان، إن اللجنة "استضافت وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني والكادر المتقدم للوزارة، لمناقشة تنفيذ المنهاج الوزاري في إطار سعي اللجنة لإصدار التقييم الثاني للحكومة الحالية".
وطالب الخالدي، وفق البيان، "بضرورة التحرك العاجل على جيران العراق لضمان حصة البلاد المائية وعدم الإستمهال في هذا الملف المهم لجميع شرائح الشعب لاسيما في قطاعات الزراعة والمشاريع الإروائية فضلا عن السياحة المائية".
وشدد على "ضرورة سعي الوزارة لمراجعة كافة التعاقدات السابقة وبالتحديد تلك التي تشوبها العديد من شبهات الفساد، لافتا إلى أهمية السعي للإصلاح الإداري داخل المنظومة القيادية للوزارة بناءً على تقييم دوري للكوادر المهنية والكفؤة، داعياً إلى "القضاء على أزمة الجفاف في الوسط والجنوب ومعالجة مشكلة إرتفاع اللسان الملحي في البصرة لافتا في ذات الوقت إلى أهمية معالجة مشكلة السدود المتهالكة".
وتتمثل مشكلة المياه في العراق في اختلال الميزان المائي من حيث زيادة الاحتياجات المائية مقابل انخفاض الإمدادات المائية، اللازمة لتلبية مجالات الحياة المختلفة.
وتشير التقديرات إلى أن تصريفات نهري دجلة والفرات ستستمر في الانخفاض مع مرور الوقت، وستجف تمامًا بحلول عام 2040 بمعنى إن مشكلة المياه في العراق تنمو وتكبر مع مرور الزمن.
ووفقاً لتحليلات مختصين، فإنه عند تشخيص حجم الاختلال المائي بشكل دقيق سيواجهون صعوبة كبيرة في ذلك بسبب عدم وجود بيانات كافية عن جانبي الاختلال وبالخصوص جانب الطلب على المياه، إذ لا توجد بيانات رسمية تتعلق بجانب الطلب على المياه.
أما على مستوى الإمدادات المائية فقد نشرت وزارة التخطيط بيانات عن الموارد المائية واتضح من خلالها إن متوسط الموارد المائية هو 50 مليار متر مكعب للمدة 2015 – 2020. وإذا ما نظرنا للوراء قليلاً سنجد إن متوسط الموارد المائية للمدة 1990-2009، هو 60 مليار متر مكعب(2)، هذا ما يعني إن منحنى الإمدادات المائية نحو الانخفاض وليس الارتفاع.
وحسب الأطلس الإحصائي الزراعي تبلغ الموارد المائية 44 مليار متر مكعب في موسم الجفاف و77 مليار متر مكعب في المواسم الجيدة(3) ونظراً لوقوع العراق في منطقة الاسكو التي تصنف من أكثر المناطق جفافاً في العالم(4)، فإن نقص المياه سيكون هو النتيجة الحتمية، بمعنى إن حجم الفجوة بين عرض المياه والطلب عليها سيكون أكبر.
وتشير التوقعات إن العراق سيعاني من نقص حاد في المياه عام 2035 يُقدر بأكثر من 10 مليارات متر مكعب حسب تصريح المستشار لوزارة الموارد المائية في شهر الثالث من العام الجاري.
واذا ما استمر هذا الاختلال في الميزان المائي بعيداً عن التوازن سيفضي لمزيد من التداعيات السلبية على مختلف المجالات في نطاق المديات المختلفة القريبة والمتوسطة والبعيدة، والتي سيتم التطرق إليها تباعاً.
ولم يحصل هذا الاختلال في الميزان المائي بشكل اعتباطي لولا وجود مجموعة الأسباب تختفي وراء كلا الجانبين من بينها النمو السكاني، وارتفاع نسبة الاغمار، وثقافة الاستهلاك، حيث دفعت إلى زيادة استهلاك المجتمع واستصلاح الأراضي.
أما أسباب انخفاض الإمدادات المائية، فهناك أسباب طبيعية وأخرى بشرية أدت لانخفاض الإمدادات المائية في العراق، حيث تتعلق الأسباب الطبيعية بالتغيرات المناخية المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة من جانب وانخفاض هطول الأمطار من جانب ثانٍ، كلا الأمرين أديا لانخفاض الإمدادات المائية.
ويشير الواقع والدراسات إلى ارتفاع درجات الحرارة التي جعلت التبخر من السدود والخزانات يفقد البلاد ما يصل إلى 8 مليارات متر مكعب من المياه كل عام (6) كما إن الاتجاه العام للأمطار سارٍ نحو الانخفاض (7).
أما الأسباب البشرية فهي تتعلق بعوامل داخلية وأخرى خارجية، والعوامل الداخلية تتمثل ارتفاع نسبة الهدر في مياه الري إذ تصل لأكثر من 50% بسبب الضائعات الحقلية وتدني كفاءة الري والنقل نتيجة لاستخدام أساليب قديمة وتقليدية في إدارة المياه، وانخفاض مستوى الاستثمارات في مشاريع الموارد المائية، حيث شكل حجم النفقات الرأسمالية 0.5% من حجم النفقات الرأسمالية الكلية في الموازنة لعام 2021.
وكذلك في ارتفاع نسبة التلوث الناتج عن انخفاض عدد محطات معالجة مياه الصرف الصحي وتصريف مياه المبازل، وازدياد معدل السحب للمياه الجوفية الذي يصل إلى ما يقرب من 5 مليار م3 والذي يمثل ما يُقارب 9% من مصادر المياه العذبة، وفق خطة التنمية الوطنية الصادرة عن وزارة التخطيط.
أما العوامل الخارجية تتمثل في سياسات الدول المجاورة التي تنبع معظم موارد العراق المائية، فتركيا لديها مشروع شرق الأناضول المتمثل ببناء 22 سداً لتلبية متطلباتها الاروائية، كذلك أثرت المشاريع التي نفذتها إيران على الأنهار الحدودية المشتركة مع العراق وتحويل مجرى بعض الأنهر إلى داخل أراضيها، إضافةً إلى تصريف مياه البزل باتجاه الأنهار العراقية.
وبهذا الصدد صرح به وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني حيث قال "ان الواردات المائية العراقية القادمة من تركيا لنهري دجلة والفرات انخفضت بمقدار 50%، وان روافد سد دربندخان وصلت وارداتها الى صفر بالمائة، فيما انخفضت واردات الزاب الأسفل بنسبة 70%". وإن العراق سيرفع شكوى إلى المجتمع الدولي من أجل تقاسم الضرر وإطلاق حصة المائية حسب المواثيق الدولية.
وإذا ما تم استكمال المشاريع المائية للدول المجاورة ستؤثر على العراق من خلال أمرين:
1- انخفاض الإمدادات المائية من 43 مليار م3 عام 2015 إلى 28 مليار م3 عام 2035.
2- ازدياد التراكيز الملحية من 320جزءاً بالمليون إلى 500 جزء بالمليون بالنسبة لنهر دجلة، ومن 540 جزءاً بالمليون إلى 930 جزءاً بالمليون بالنسبة لنهر الفرات حسب خطة التنمية الوطنية 2018-2022.