"مرعب أمر تحول العراق من ممر للمخدرات، إلى واحد من أكثر البلدان استهلاكاً لها، كما أن انتشارها بين شباب محافظة كربلاء يزيد من قلقي على أولادي الخمسة"، هكذا يبدأ حميد لازم المحامي الكربلائي حديثه عن تنامي ظاهرة تعاطي المواد المخدرة بين شباب المحافظة.
وتعد محافظة كربلاء، من المدن المهمة والمركزية في العراق ثقافياً واقتصادياً ودينياً، كونها تحتضن مرقدي الإمام الحسين بن علي وأخيه أبو الفضل العباس، التي يقصدها ملايين المسلمين الشيعة سنويا.
ومثل باقي المحافظات، يعلن بشكل مستمر القبض على مروجي المخدرات بأنواعها مثل (الكرستال والحشيشة وحبوب صفر-واحد) داخل مناطقها، وسط قلق الأهالي الذين عبّروا عن "خشيتهم من دخول المواد الممنوعة إلى منازلهم".
شبكات معقدة
يتحدث مصدر أمني عن وجود توجيهات مباشرة من قبل القيادات الأمنية في المحافظة إلى جميع صنوف القوات الأمنية بـ"التحري الدقيق ومتابعة المروجين الصغار للمخدرات للوصول إلى التجار الكبار".
ويوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، "داخل كربلاء توجد شبكات مقدة ومختصة بترويج المخدرات، يكون أساسها في المحافظات الأخرى، لكنهم يستخدمون الشباب العاطلين عن العمل من ضعاف النفوس كمروجين لبضاعتهم".
ويتابع، "هناك جهات تستغل دخول الاعداد الكبيرة للزائرين، وانشغال القوات الأمنية بحمايتهم لتنفيذ مآربها بطرق عدة".
ويضيف المصدر، "في كل مرة نلقي القبض على أحد المروجين للمخدرات داخل المحافظة، وبعد التحقيق معه يعترف على آخرين من نفس صنفه، وبعدها يستمر التحقيق معهم لنصل إلى شبكات معقدة، منتشرة في أغلب محافظات البلاد، تديرها جهات خفية".
ويشير إلى أن "شبكات المتاجرة بالمخدرات تتكون من ممولين رئيسيين وتجار ومروجين، منتشرين في أغلب المحافظات تحت عناوين وأسماء وهمية".
"أحزاب تتاجر بالمخدرات؟"
يقول رئيس قسم الدراسات الدولية في جامعة كربلاء حسين أحمد السرحان، إن "الكثير من الفعاليات الثقافية والدينية والسياسية، لا تمتلك الجرأة القوية في تناول موضوعات بغاية الخطورة ومنها المخدرات لأسباب اجتماعية وثقافية وغيرها".
ويتابع في بحثه المنشور على منصات إلكترونية، "قبل عام 2003 ولوجود الدولة البوليسية، كان العراق لا يتعدى كونه ممر مع تعاطي قليل جدا بسبب العقوبات الصارمة التي بلغت حد الإعدام، ولكن بعد 2003 استغلت بعض القوى السياسية الحاكمة والمسيطرة قوتها وقدراتها في موضوعات الاتجار بالسلاح والمخدرات والتهريب وغيرها للحصول على الأموال، لذلك نلاحظ وللأسف الشديد أنه لا في القنوات الإعلامية التابعة للحكومة ولا القنوات الإعلامية التابعة للقوى السياسية أي ذكر أو تكوين رأي عام لتشخيص أسباب ظاهرة المخدرات".
"يرعبنا أمر المخدرات"
تخشى نسرين (أم علي) الموظفة بجامعة أهلية، ما تتحدث به منصات وسائل التواصل الاجتماعي عن تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في العراق.
وتقول الأم التي تسكن في حي الحر بمحافظة كربلاء "نحن الأمهات الموظفات ممن ليس لديهن الوقت الكافي لمتابعة أبنائهن، نخشى من أن يكون اولادنا ضحية آفة المخدرات التي يكثر الحديث عن مدى انتشارها بين الشباب والمراهقين".
وتضيف "نخشى على منازلنا من هذا الشبح المرعب فنحن لا نملك القدرة الكافية على ردعه، فهو يمكن أن يكون بيننا دون أن نشعر به حتى يتمكن من شبابنا، والمخيف أكثر أن طرق الترويج للمخدرات أصبحت متعددة ولا يمكن أن نتابعها جميعها لنعرف أسرارها".
فيما يدعو المحامي الكربلائي حميد لازم "المؤسسات الأمنية ومنظمات المجتمع المدني وجميع الجهات المعنية وذات العلاقة، بالسعي الجاد وعقد المؤتمرات والمحاضرات وتخصيص أوقات داخل مؤسساتها لاستضافة الشباب، وتثقيفهم حول مخاطر المخدرات".
ويطالب أيضاً الأب لخمسة أولاد، "توفير بيئة آمنة لهم، وإنشاء مراكز لتنمية مواهبهم، وفسح الطريق أمامهم لممارسة الفنون والاتجاهات التي يرغبون بها وعدم كبت حرياتهم، لأنها واحدة من العوامل التي تؤدي إلى انحدار مستواهم وصنع ردة فعل قاسية قد تكون واحدة من نتائجها ادمان المخدرات.
ويرى الباحث زهير الميالي، أن الحلول المناسبة لمكافحة المخدرات، هي ايجاد وسائل بديلة ومحاولة استغلال الطاقة الشبابية بالشكل الأمثل، بالإضافة إلى ذلك لابد أن نحذو حذو البلدان التي تعتمد نظام الإعدام بحق مروجي المخدرات.
من جانبه يعلق الدكتور إيهاب علي، عن الحلول الممكنة بالقول "لا توجد قناعة بكل المعالجات التي يطرحها الواقع العراقي خصوصا وأنها ذات أبعاد ترقيعية ولا تصيب الجوهر".
ويضيف "نحن نحتاج إلى تفاعل مؤسساتي خصوصا وأن الشباب العراقي اليوم يمر بمرحلة ضياع، أضف إلى ذلك فأن مشاكل العراق متداخلة وبالتالي نحن نحتاج إلى ثورة اجتماعية على مختلف الأطر، وذلك من أجل أن نجد الحلول المناسبة".
أما الأكاديمي خالد الثرواني، فيشير إلى أن "المدرسة أصبحت مكان للتلقين فقط من دون إعطاء أي ثقافة، كما أن المكتبة المدرسية والمسرح المدرسي كلاهما غائب، ناهيك عن التنمر والتطرف الاجتماعي".
ويتابع "بالتالي لا بد من معالجة تلك الأسباب ومنها الفساد الاداري الذي يعطى مساحة أكبر لتهريب العقاقير الطبية المخدرة من المؤسسات الصحية".